"أقوى من الشدّة وأسرع من لمح العين" آلة حاسبة بشرية متحركة من الأردن تعصف بالرياضيات التقليدية

لا يشكك العالم بالعدائين أمثال يوسين بولت "البرق بولت" صاحب الرقم الكلاسيكي لأسرع 100 متر منذ 2009 بتسعة ثوانٍ ونيّف، إلا أن الجري في دهاليز العقل البشري، التي قد تكون أكثر انهاكاً، لا تحظى بهذا النوع من الاهتمام. وبينما راودت الشكوك الجدوى من الرياضيات الذهنية، إلا أن جهابذة هذا المجال يشبهونها بالعدو تماماً.

محمد صياحين، 51 عام، شكّل ثورة جديدة في الجمع بين عالمي الحساب الذهني الفائق والرصد السمعي. فقد استطاع حصد الرقم القياسي العالمي لأسرع وقت في حساب عدد الأحرف في 10 جمل ذهنياً. وبينما يبدو هذا سهلاً ممتنعاً للبعض إلا أن ما رصدته غينيس للأرقام القياسية خلال بحثها في هذه الموهبة كان مذهلاً حقاً.

يتخلّى الرياضيون الفائقون عن الورقة والقلم وبالتأكيد عن كل أشكال التكنولوجيا في العمليات الحسابية الفائقة السرعة. ويعجز الكثير منا عن جمع منظومة حسابية مؤلفة من 100 رقم في أقل من 10 دقائق، وينجح آخرون من أمثال الطفل التركي "عمر يغيت آغما" صاحب الرقم القياسي لأسرع وقت في جمع 100 رقم ذهنياً خلال وقت قياسي بلغ 18 ثانية و9 أعشار من الثانية في شهر يوليو من العام 2016.

صياحين، الملّقب بـ"أبو الحروف" من إربد في الأردن، أطاح بمفهوم الحساب الرقمي التقليدي وأضاف إليه قدرة استثنائية في حساب عدد الأحرف في أي شيء يسمعه. وفي حين أن هذا المقال لا يحاول الإجابة عن جدوى الحساب الذهني وإنما يبحث في طبيعة هؤلاء الأشخاص في الوصول إلى مرحلة متقدمة من التركيز لتخيّل وتحليل كل كلمة على حِدى ثم جمعها في وقت لا يتعدى الثانية الواحدة، فهل للثانية الواحدة كل هذه المدة التي لا ندركها؟

الأسئلة كثيرة ولكن جواب صياحين عن سؤاله إن كان يرغب بكوب من القهوة في غرفة الانتظار قبل دخوله للقاء لجنة التحكيم في غينيس للأرقام القياسية في مكاتبهم بدبي، أثار دهشة أكثر: "لا أحتاج للقهوة، أستطيع تقديم إجابات مباشرة عندما استيقظ من النوم صباحاً".

اشترطت القواعد الإرشادية لهذا الرقم القياسي استخدام مؤلف الكتروني للجمل العشوائية باللغة العربية تتشكل كل منها من فعل وفاعل ومفعول به وأن لا يقل عدد كلماتها عن 7 على أقل تقدير. ولضمان العدل والمصداقية كان على صيّاحين قراءة كل جملة بنفسه وذلك لأن سرعة القرّاء تتفاوت وذلك حرصاً أن لا يؤثر ذلك على النتيجة النهائية.

بدت أجوبة صيّاحين واثقة وسريعة ولم يتخطى أطولها في كل جملة ثانيتين فقط، ونجح في حصد الرقم القياسي العالمي خلال 35 ثانية ونصف الثانية. والأغرب أنه بدا وكأنه قادر على المواصلة لفترة طويلة جداً دون بذل أي جهد يذكر، أو هكذا ما أظهره الفيديو.

وفي معرض سؤاله عن قدرته هذه أجاب: "لقد تخطيت مرحلة الحساب الذهني منذ فترة طويلة. ما أقوم به الآن هو تعيين أصابعي العشرة إلى رقم معيّن خلال استماعي لأي جملة منطوقة، وقد يكون هذا الرقم على سبيل المثال بالنسبة لأصبع السبابة في اليد الأولى إما 4، أو 14، أو 24 وهكذا. ثم أقوم بعملية حساب ذهني لعدد المجموعات الرقمية في نهاية المطاف. وكل هذه العملية لا تتجاوز الثانيتين على أبعد تقدير".

اكتشف صيّاحين موهبته هذه لأول مرة في العام 1988 عندما كان في المرحلة الإعدادية، وقد كانت صدفة محضة. حيث كان يعتقد سابقاً بأن الجميع يمتلك هذه المَلَكة، إلى أن أخبره مدرّس الرياضيات بعكس ذلك. إلا أن ظهوره للمرة الأولى عبر برنامج "عرب غوت تالينت" قبل 11 عاماً كان مرحلة مفصليّة في تاريخ مشاركاته الإعلامية حيث ترك لجنة التحكيم في ذهول مطلق. ثم عاود الظهور بعد عدّة أشهر ليبدو أكثر ثقة ويظهر قدرة على الحساب باللغة الإنجليزية ورفع الحد الأدنى لمجموع الحساب إلى 200 حرف بعد أن كان هذا الحد هو 100 حرف.

خلال سنوات من مشاركاته الإعلامية، حظي صياحين بلقب "أبو الحروف" ليجسّد واقعياً شخصية كرتونية ظهرت في سبعينات القرن الماضي بنفس الإسم من برنامج الأطفال "المناهل"، حيث كانت مهمة "أبي الحروف" إرجاع الكلمات إلى أصلها بعد أن تقوم شخصية أخرى اسمها "خربوط" بالعبث بكلمة معينة، كأن تحوّل مثلاً كلمة "بطل" إلى كلمة "بصل".

إلا أن "أبو الحروف" الأردني يبدو أكثر قدرة من هذه الشخصية الخارقة في أفلام الكرتون، فقد أظهر قدرة على حساب عمر أي شخص خلال ثانية واحدة فقط، وهذا بدوره يطرح أسئلة حول كيفية القيام بذلك على حد سواء. كما يقول صيّاحين بأنه استطاع "اكتشاف معجزات عدديّة" في القرآن الكريم يقول بأنه يحتفظ بها لاستشارة أصحاب الاختصاص قبل السماح بنشرها.

وفي حين بدا أن أبو الحروف يحمل في جعبته أكثر من حروف وأرقام فقط، فقد عبّر عن شعوره بنيل الرقم القياسي قائلاً: "هذا حلم 40 عاماً أراه اليوم يتحقق. قد يبدو من المضحك أن يكون لقبي أبو الحروف ولا أستطيع إيجاد كلمات كافية تعبر عن شعوري. أنا ممتن للغاية بحصولي على لقب غينيس للأرقام القياسية".